مع تشكيل ما سُمّيت بلجنة وزارية مكلفة "البحث في تطبيق ​قانون الانتخاب​"، بدأت المخاوف والهواجس تتصاعد من أن تكون مثل هذه اللجنة "مقبرة" لقانون الانتخاب، ومعه الانتخابات برمّتها، انطلاقاً من القاعدة القائلة بأنّ "اللجان مقبرة القوانين"، بمُعزَلٍ عن كلّ التفاصيل الأخرى.

ومع الوقت، يبدو أنّ هذه الفكرة بدأت تتثبّت أكثر فأكثر، إذ إنّ التباينات التي تشهدها هذه اللجنة، والتي لا يمرّ اجتماعٌ لها من دون نقاشاتٍ حادّة بين مكوّناتها، لا تبشّر بالخير، علمًا أنّ كلّ المؤشّرات تدلّ على أنها لا تزال تراوح مكانها، ولم تحسم حتى اللحظة أيّ نقطة خلافيّة، ولا سيما نقطة ​البطاقة الممغنطة​.

ولعلّ ما تسرّب من الاجتماع الأخير يكرّس هذه النظرة التشاؤميّة، خصوصًا لجهة إعلان وزير الداخلية والبلديات ​نهاد المشنوق​ صراحة أنّ "الانتخابات في خطر"، ما يرسم علامات استفهام عمّا إذا كانت "مسرحية" ​التمديد​ الرابع قد انطلقت عمليًا...

البطاقة الممغنطة وبدائلها

تمامًا كما كان يحصل في اللجان التي كانت مكلّفة إعداد قانون الانتخاب، والتي كانت تجتمع لمجرّد الاجتماع، فإنّ اللجنة المكلفة البحث في تطبيق قانون الانتخاب تجتمع من دون أن تصل لأيّ نتيجة، لدرجة أنّها لا تزال عالقة على النقطة نفسها منذ اجتماعها الأول، ألا وهي نقطة البطاقة الممغنطة، التي نصّ قانون الانتخاب على إمكانية اعتمادها، والتي رأى فيها كثيرون "الذريعة" التي استخدمتها السلطة السياسية لتبرير ما اصطلح على تسميته بـ"التمديد التقني" للمجلس النيابي.

حتى الآن، لا يزال الانقسام العمودي حول هذه البطاقة على حاله، رغم ما سُرّب عن شبه توافقٍ على استحالة إنجازها، خصوصًا أنّ وزير الداخلية أعرب مرارًا وتكراراً عن عدم حماسته لهذه البطاقة، التي ثبت في تجارب دولية عدم جدواها، وبالتالي وجود قرارٍ ضمني يقضي بالاستغناء عنها بشكلٍ أو بآخر. إلا أنّ مثل هذا القرار دونه عقبات تفرضها بالدرجة الأولى "البروباغندا" الإعلامية والمزايدات الانتخابيّة، وهو ما يبرز خصوصًا مع رفع "​التيار الوطني الحر​" الصوت عاليًا بتقديم موعد الانتخابات في هذه الحال، بل إجراء انتخابات فوريّة، الأمر الذي لا يبدو واقعيًا، كون قانون الانتخاب الجديد لا يزال عصيًا على فهم الطبقة السياسية قبل المواطنين، والأرضية ليست جاهزة على الإطلاق لها حتى الآن.

ومع الاستغناء عن البطاقة الممغنطة، بدأت تُطرَح بدائل ممكنة لها، وعلى رأسها فكرة استحداث بطاقة هوية بيومترية، تحلّ مكان بطاقة الهوية الحاليّة وتُعتمَد في الانتخابات النيابية. وعلى الرغم من أنّ هذا الاقتراح يبدو، للوهلة الأولى، مثاليًا، إلا أنّ طريقه ليست مفروشة بالورد أبدًا، ليس بسبب كلفته الباهظة فحسب، بل، وهنا بيت القصيد، بسبب الوقت الذي يحتاجه والذي لن يكون كافيًا، بل قد يؤدّي لوقوع الكثير من الأخطاء، التي لن يكون بالإمكان تداركها، إلا إذا كان المقصود من هذا الخيار إيجاد ذريعة لـ"تمديد التمديد التقني"، وهو أمرٌ أكثر من وارد.

وإذا كانت إيجابية البطاقة الممغنطة تنحصر، برأي كثيرين، بإتاحتها المجال أمام اقتراع المواطنين في مكان سكنهم، فإنّ "البديل الواقعي" يبقى في إيجاد آلية تسمح بذلك، وهو ما يمكن أن يحصل مثلاً من خلال استحداث مراكز اقتراع مخصّصة لهؤلاء في مختلف المناطق، على أن يقوم من يرغبون بالانتخاب في مكان السكن بتسجيل أسمائهم مسبقاً. إلا أنّ هذه الفكرة لا تلقى موافقةً داخل اللجنة الوزارية، إذ إنّ "التيار الوطني الحر" يرفضها، ومن خلفه رئيس الحكومة سعد الحريري، ما يطرح علامات استفهام حول مدى القدرة على التوصّل لتفاهماتٍ عمليّة بين مختلف الأطراف على أيّ فكرةٍ يمكن أن تُطرَح.

الجدية غائبة...

انطلاقاً من كلّ ما سبق، يبدو واضحاً أنّ أيّ قرارٍ لم يُحسَم حتى الساعة، فالبطاقة الممغنطة لا تبدو قابلة للتطبيق، ولكلّ من بدائلها المتنوّعة مؤيّدون ومعارضون لا يبدو أنّ لديهم النيّة للالتقاء في مكانٍ ما، لغايةٍ في نفس يعقوب، أو ربما للدخول في "المحظور"، الذي نبّه الوزير المشنوق منه، محدّداً مهلة تنتهي في 15 أيلول المقبل لحسم البنود الخلافيّة، وإلا تصبح الانتخابات في خطر.

ولكن، وأبعد من كلّ هذه التفاصيل التقنيّة، لا مبالغة في القول بأنّ الانتخابات ليست عمليًا مهدّدة بالدخول في المحظور، بل إنّها أصبحت في صلبه، نظراً لتقاعس الجهات المعنيّة عن التصدّي لمسؤولياتها والقيام بالحدّ الأدنى من واجباتها، إذ إنّه، منذ إقرار قانون الانتخاب وحتى اليوم، لم يُرصَد أيّ جهدٍ من أيّ جهةٍ لوضع الأمور في نصابها، أوعلى الأقلّ، لتطبيق هذا القانون، الذي دخل حيّز التنفيذ.

ولعلّ "الاستحقاق" الأول الذي يواجهه القانون يتمثّل في هيئة الاشراف على الانتخابات التي تنتهي المهلة "الملزمة" بتشكيلها قانوناً في السابع عشر من أيلول، أي نهاية الأسبوع المقبل، لكنّها حتى الآن لم تُشكَّل، بل لم تُطرَح على جدول أعمال ​مجلس الوزراء​، وإن تسرّبت بعض المعلومات بأنّ ​وزارة الداخلية​ قامت برفع أسماء المرشحين لعضوية هذه الهيئة. وهنا يُطرَح السؤال، إذا كان هناك نيّة فعلاً بتشكيل هذه الهيئة وفقاً للقانون، فلماذا تُرِك الأمر حتى اللحظة الأخيرة، وإن كانت هذه عادةً لبنانية متوارثة.

وأبعد من هيئة الإشراف، لا يزال الحديث عن تعديلاتٍ على القانون محور أخذٍ وردٍ، ولا تخفي الكثير من الأطراف السياسيّة مطالبتها بتعديلاتٍ لا تشمل فقط بعض الأخطاء المادية الملموسة الواردة في القانون، والتناقضات التي ينطوي عليها في أكثر من مكان، بل تصل إلى الجوهر، سواء لجهة حصر الصوت التفضيلي بين ​القضاء​ والدائرة، وصولاً إلى إصرار البعض على وجود صوتين تفضيليين بدل الصوت الواحد.

ولعلّ المؤشّر الأخطر من كلّ ما سبق يبقى في أنّ حملات التوعية الانتخابية لم تنطلق حتى الآن بشكلٍ رسميّ، وأنّ ما يُقام من باب التثقيف الانتخابي يبقى حتى إشعارٍ آخر عبارة عن جهدٍ محدود تبذله بعض القوى المدنيّة والسياسيّة بمبادراتٍ ذاتيّة، في حين يفترض أن تكون وزارة الداخلية هي من تنظّم مثل هذه الحملات، لتفسير القانون للمواطنين، وكذلك للمرشحين المحتملين، ولجان القيد، وغيرهم. وإذا كان العديد من السياسيين يردّد جهاراً أنّه لا يزال عاجزًا عن فهم القانون والكثير من بنوده، فإنّ الواضح أنّ غياب هذه الحملات، مع بدء العدّ العكسيّ المفترض لانطلاق ​الماكينات الانتخابية​ في عملها، يشكّل ثغرة كبيرة وواضحة، قد يشتمّ منها أيضاً وجود نيّة بالمماطلة والتمييع، وصولاً إلى التأجيل من جديد.

وهمٌ حتى إثبات العكس...

يعتقد البعض أن لا خشية على الانتخابات النيابية بخلاف ما يُقال، باعتبار أنّ بعض المواقف السياسية تشكّل "الضمانة الأكبر" بأنّها ستحصل في موعدها، أو حتى قبله. ويستند هؤلاء إلى مواقف جميع الفرقاء، ولا سيما رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​، الذي توعّد بـ"انقلاب" في حال تعطيل الانتخابات، ورئيس "التيار الوطني الحر" ​جبران باسيل​، وغيرهما.

إلا أنّ على هؤلاء أن يدركوا أنّ مثل هذا "الاعتقاد" يبقى "وهمًا" حتى إثبات العكس، ليس فقط بالعودة لتجارب التمديد السابقة، والتي كان الجميع معارضين لها كلاميًا، بل بالعودة إلى مسار الانتخابات الفرعيّة، التي أصبح "الترحّم عليها" من قبل المطالبين بها كافيًا لرفع العتب والمسؤوليات في آن...